نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قراءة في السيادة والحدود والهوية - صوت العرب, اليوم السبت 8 مارس 2025 10:18 مساءً
منذ توقيع اتفاق الجمعة العظيمة في عام 1998، شهدت العلاقات البريطانية-الإيرلندية تحولات بارزة على مستوى التعاون السياسي والوضع الدستوري لإيرلندا الشمالية. ومع ذلك، ظل هذا الاتفاق محوراً لنقاش حول مدى نجاحه في تحقيق أهدافه، مع ظهور مستجدات أثّرت في استقراره خصوصاً بعد «البريكست».
يعالج كتاب العلاقات البريطانية-الإيرلندية في القرن الحادي والعشرين، للباحثة إيتين تانام هذه القضايا بتناول شامل يغطي الفترة الممتدة من عام 1998 حتى 2023. يقدم الكتاب رؤية تحليلية تستند إلى إطار نظري يستعرض مفاهيم متضاربة حول السيادة، محاولاً استقراء تأثير هذه المفاهيم في السياسات العملية في إيرلندا الشمالية وعلاقات بريطانيا مع إيرلندا. كما يقدم الكتاب تقييماً لأداء اتفاق الجمعة العظيمة على مدار ربع قرن، مع إبراز نقاط قوته ونقاط ضعفه، ودور الطرفين البريطاني والإيرلندي في ضمان استمراريته.
اتفاق بلفاست
اتفاق الجمعة العظيمة، المعروف أيضاً باسم اتفاق بلفاست، هو اتفاق سلام وقع في 10 إبريل 1998 بين الحكومة البريطانية والحكومة الإيرلندية، بمشاركة الأحزاب السياسية الرئيسية في إيرلندا الشمالية، لإنهاء النزاع العنيف المعروف باسم «الاضطرابات»، الذي كان بمثابة حرب أهلية مذهبية امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً بين الكاثوليك المؤيدين للوحدة مع جمهورية إيرلندا والبروتستانت الموالين لبريطانيا. نص الاتفاق على إنشاء مؤسسات سياسية جديدة في إيرلندا الشمالية، تشمل جمعية تشريعية محلية، إلى جانب آليات للتعاون بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، وبين بريطانيا وإيرلندا، كما أكد على مبدأ تقرير المصير، حيث يُسمح لسكان إيرلندا الشمالية بالتصويت على مستقبلهم السياسي، سواء بالبقاء ضمن المملكة المتحدة أو الانضمام إلى جمهورية إيرلندا. تضمنت بنوده أيضاً إصلاحات أمنية، وإطلاق سراح السجناء المرتبطين بالنزاع، والتزام الأطراف بالتخلي عن العنف، إضافةً إلى تعديلات دستورية في إيرلندا ألغت المطالبة الدستورية بأراضي إيرلندا الشمالية. ساهم الاتفاق بشكل كبير في تحقيق الاستقرار في المنطقة، لكنه واجه تحديات عديدة، خاصةً مع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي أعاد النقاش حول حدوده وتأثيره في العلاقات بين بريطانيا وإيرلندا.
يخلص المؤلف إلى أن تنفيذ الاتفاق لم يكن متكاملاً كما كان متوقعاً، حيث ظلت بعض بنوده غير مفعلة بشكل كامل، ما أدى إلى استمرار المشكلات المتعلقة بالهوية السياسية في إيرلندا الشمالية. يشير الكتاب إلى أن ضعف التزام الحكومتين البريطانية والإيرلندية بحماية الاتفاق أثر بشكل مباشر في قدرته على تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة.
يعد البريكست نقطة محورية في تحليل الكتاب، إذ تسبب انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إعادة طرح الأسئلة المتعلقة بالحدود بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، ما أدى إلى تصاعد الجدل حول احتمالات استفتاء جديد بشأن توحيد الجزيرة. يرى المؤلف أن هذا السيناريو يتطلب معالجة دقيقة، خصوصاً أن مسألة الهوية لا تزال عاملاً مؤثراً في المشهد السياسي لإيرلندا الشمالية.
سياقات تاريخية وسياسية
يتناول الفصل الأول، بعنوان «من الاتفاق الأنجلو-إيرلندي إلى اتفاق 1998»، السياق التاريخي الذي أدى إلى توقيع اتفاق الجمعة العظيمة، مسلطاً الضوء على الاتفاق الأنجلو-إيرلندي لعام 1985 باعتباره خطوة تمهيدية نحو الاتفاق النهائي في عام 1998. يستعرض الفصل التحديات السياسية التي سبقت الاتفاق، بما في ذلك استمرار العنف في إيرلندا الشمالية، ودور بريطانيا وإيرلندا في التفاوض على حلول سياسية، بالإضافة إلى تأثير هذه التطورات في الأحزاب المحلية.
يركز الفصل الثاني، بعنوان «الاتفاق: المضمون، التفسيرات، والانتقادات»، على تحليل بنود اتفاق الجمعة العظيمة، موضحاً المضمون الأساسي للاتفاق والتفسيرات المختلفة التي طرحتها الأطراف المعنية، سواء المحلية أو الدولية. كما يناقش الانتقادات التي وُجهت إلى الاتفاق، خاصة في ما يتعلق بمدى نجاحه في تحقيق المصالحة والاستقرار السياسي، ومحدودية التنفيذ في بعض جوانبه.
يبحث الفصل الثالث، بعنوان «البريكست والاتحاد الأوروبي»، في تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في إيرلندا الشمالية، التي واجهت تعقيدات سياسية واقتصادية بسبب وضعها الحدودي مع جمهورية إيرلندا. يناقش الفصل كيفية تعامل الحكومتين البريطانية والإيرلندية مع تداعيات البريكست، بما في ذلك بروتوكول إيرلندا الشمالية، وتأثيره في مستقبل الاتفاقية والعلاقات الثنائية.
يتناول الفصل الرابع، بعنوان «البند الأول والتعاون السياسي في إيرلندا الشمالية»، تنفيذ البند الأول من اتفاق الجمعة العظيمة، الذي ينص على إنشاء حكومة قائمة على تقاسم السلطة بين الأحزاب القومية والوحدوية. يناقش الفصل التحديات التي واجهت التعاون السياسي داخل المؤسسات المحلية، ومدى نجاحها في تحقيق الاستقرار والحكم المشترك.
يستعرض الفصل الخامس، بعنوان «البند الثاني: التعاون بين الشمال والجنوب»، التعاون بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا في مختلف المجالات، مثل الاقتصاد والبنية التحتية والثقافة، وفقاً لما نص عليه الاتفاق. يسلط الفصل الضوء على الإنجازات التي تحققت في هذا المجال، إضافة إلى العقبات التي أعاقت تنفيذ بعض بنود التعاون، وتأثير التطورات السياسية، مثل البريكست، في استمراريته.
يركز الفصل السادس، بعنوان «البند الثالث والعلاقة الحكومية البريطانية-الإيرلندية»، على العلاقة بين الحكومتين البريطانية والإيرلندية، ودورهما في الإشراف على تنفيذ الاتفاق وضمان استمراريته. يناقش الفصل مدى التزام الطرفين بالاتفاق، والتحديات التي واجهتها هذه العلاقة في ظل التغيرات السياسية داخل البلدين، مع التركيز على الفترات التي شهدت تراجعاً أو تعثراً في تنفيذ الاتفاق.
يختتم الفصل السابع، بعنوان «الخاتمة»، بتحليل شامل لمسار اتفاق الجمعة العظيمة منذ توقيعه، متناولاً العوامل التي ساهمت في نجاحه، إلى جانب التحديات التي واجهها عبر العقود. يقدم الفصل توصيات حول كيفية تحسين العلاقات البريطانية-الإيرلندية في المستقبل، مع التأكيد على أهمية الالتزام بالاتفاق وعدم إجراء تعديلات جوهرية قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في إيرلندا الشمالية.
وفي ختام الكتـــاب، توصــي الباحثة بضـــرورة اعتماد استراتيجيــة مشتركـــة بين الحكومتين البريطانية والإيرلندية لضمان استقرار إيرلندا الشماليـــة، محـــذراً من أي محاولة لإجراء مراجعة جذرية للاتفـــاق قد تـــؤدي إلى زعزعــة الوضع القائـــم. بدلاً من ذلـــك، يشـــدد علـــى أهمية تنفيذ بنود الاتفــاق بالكامل، بما يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لضمان الحفــاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
يُعد هذا الكتاب إضافة مهمة إلى النقاش المستمر حول العلاقات البريطانية-الإيرلندية، حيث يقدم رؤية تحليلية متوازنة بعيداً عن التحيز السياسي، مع التركيز على الجوانب الواقعية والتحديات الفعلية التي تواجه الاتفاق. كما يسلط الضوء على ضرورة التعاطي مع التطورات السياسية المتسارعة بحكمة وتأنٍ، تجنباً لأي تداعيات قد تعيد المنطقة إلى أجواء التوتر وعدم الاستقرار.
0 تعليق