صوت العرب

مشهد العناق الذي أعاد لبنان لمحيطه العربي - صوت العرب

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مشهد العناق الذي أعاد لبنان لمحيطه العربي - صوت العرب, اليوم الخميس 6 مارس 2025 12:46 صباحاً

رسم لبنان من جديد. بدا عليه العودة للحياة. استعادت الدولة تموضعها الصحيح؛ بعد سنوات من الاختطاف. نسفت أشكال التزمت والرأي الأوحد. اختفى السلاح وشبيحته. يتضح أن هناك إرادة كبرى من الشارع اللبناني لإرجاع بلاده لمن يملكها، وهو الوحيد الذي يحق له أن يملكها.

قلّب الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون أوراقه على مكتبه، يريد الرجل العودة للحياة، وللعالم. كثير من الآراء أشارت له بأن ذلك لن يتم إلا من خلال الحضن العربي. السؤال؛ من الأجدر أن يقوم بذاك الدور؟ الإجابة كما وردت لعون، المملكة العربية السعودية.

السؤال الآخر؛ لماذا السعودية تحديدا؟ الجواب: لأنها لم تنظر إلى لبنان يوما ما وفق مستحدثات السياسة التي تفترض وتستبيح كل شيء، ولم تبحث عن نفوذ، ولم تميز لبنانيا عن آخر، مسلما كان أو مسيحيا أو درزيا أو أيا كانت طائفته. لقد تعاملت مع الجميع على مسافة واحدة منذ الأزل.

صحيح أن التاريخ اللبناني تعرض للعبث، وهذا لا يمكن إنكاره، إذ تحولت الدولة إلى منصة لتنفيذ أجندات أجنبية على يد حزب الله الذي سعى على مدى عقود إلى تحويل لبنان شبه مزرعة يملك قرارها الحكومي والشعبي.

وهذا كمعطى سياسي، تسبب بابتعاد الدول المؤثرة في المحيط العربي عن الملف اللبناني، ولحقت بها دول أوروبية بعد ذاك، فقد كان لذلك كفلة سياسة وإنسانية باهظة.

أعود للرئيس جوزيف عون. بالفعل حط الرجل رحاله في العاصمة الرياض. حمل ملفا مثقلا بالهموم، على رأسه استعادة هوية الدولة العربية.

كان السعوديون يدركون ذلك. وهذا ليس من باب التنظير، إنما بالنظر إلى البيان السعودي - اللبناني، الذي صدر على خلفية زيارة عون للرياض. وشدد البيان على أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف. وهذا بالمفهوم الكبير مفتاح الدخول لعالم الرصانة السياسية العربي.

ماذا بعد؟ ضرورة بسط الدولة سيادتها على كامل أراضيها. ولم يتغافل عن ملف السلاح السائب، الذي بالضرورة أن يتم حصره بيد الدولة وتحت إشراف الجيش اللبناني، ضمن أدواره الوطنية.

البيان السعودي اللبناني الذي صدر بعد لقاء جمع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس اللبناني جوزيف عون، وضع أسسا صلبة لعلاقات جديدة بين الرياض وبيروت، بعد نوع مما يمكن وصفه بالفتور، الذي تسبب به خروج لبنان عن النص العربي.

وبرز الإصرار السعودي اللبناني، من خلال الدعوة للتمسك بما جاء في خطاب القسم الذي تلاه جوزيف عون خلال تنصيبه. ويختصر الرغبة في تغيير الأداء السياسي اللبناني، والتزام الدولة الحياد الإيجابي، وتثبيت حقها في احتكار حمل السلاح، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الجميع تحت سقف القانون والقضاء، وكسر مفهوم حماية الفاسدين والمجرمين، ومافيات تهريب الأموال والمخدرات، وتبييض الأموال.

وتسعى المملكة دون أدنى شك، لدفع الاقتصاد اللبناني للتعافي وتجاوز أزمته الحالية. بل إن فريقا بدأ بدراسة المعوقات التي تقف حائلا أمام استئناف عملية التصدير من لبنان إلى المملكة.

وهذا بالمجمل يأتي ضمن التأكيدات على أن سياسة الرياض تجاه لبنان لا تقوم على إملاءات كما يصور البعض، ولا اشتراطات، ولا ضرورة تقديم شيء مقابل شيء آخر.

ماذا عن سفر السعوديين إلى لبنان؟ هذا الملف بكل صراحة بحاجة إلى مزيد من التروي، لماذا؟ لأنه مرتبط بالدرجة الأولى بالرعايا وضرورة حمايتهم من أي ضرر. إذن ما أسباب الانتظار السعودي في السماح للسعوديين بالسفر إلى لبنان؟ السماح بحاجة إلى أرضية وبيئة آمنة بالمطلق.

وما إذا عدنا قليلا إلى الوراء فقد خلقت بعض الأحداث الأخيرة حالة من عدم الارتياح والأمن، بعد أن أقدمت مجموعات على قطع طريق المطار، في أعقاب إخضاع الطائرات الإيرانية للتفتيش الدقيق، بمجرد هبوطها في مطار رفيق الحريري. فإذن بالمحصلة فالحالة الأمنية ليست آمنة بالمطلق، ما يحول دون السماح بسفر السعوديين في الوقت الراهن على أقل تقدير.

دون أدنى شك يجب النظر بتقدير واحترام لخطوات الجيش اللبناني، وهو الذي كان صارما في تأدية رسالته، والتصدي لأي خطوة مارقة وخارجة عن القانون أيا كان مصدرها. إلا أن البنى التحتية للسلاح السائب لا تزال مصدر خطر وقلق للقادمين من الخارج، فالمشهد الأمني لا يزال يشوبه ما يشوبه من التذبذب، وهذا ما لا يتواكب مع السماح للرعايا السعوديين بالسفر للبنان.

خلاصة القول؛ أعتقد أن الجمهورية اللبنانية ورجالاتها الجدد، الذين يديرهم رجل قدم من قوالب الجيش، وهو الكيان الذي لا يمكن له الخروج عن الخط الوطني العام، في الطريق الصحيح لاستعادة مفهوم الدولة، والوطن، الذي ذهب وتبخر مقابل مشاريع عابرة للقارات، لم تفد لبنان بقدر ما أضرته وشردت أبناءه عن مناطقهم ونسفت تاريخهم وذكرياتهم.

إن الإرادة السياسية السعودية مصممة على الأخذ بيد لبنان وإنقاذه والدفع به للعالم الحديث. وهذه القناعة هي التي جاءت بإدارة لبنان الجديد للمملكة. ولمن أراد الإيقان من ذلك؛ عليه العودة لرؤية مشهد العناق.. الذي أعاد لبنان لمحيطه العربي.

أخبار متعلقة :